روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( نِعْمتَانِ مغبونلٌ فيهِما كثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ. )). [رواه البخاري (6412)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع نزول هذه النازلة الرهيبة، والطارئة العجيبة التي حلت بالعالم أجمع، تسارع الناس في كل مصرٍ، فزعين مذهولين إلى الوهم، فهم في ذلك كجلمود جرفته السيول؛ فلا هو يقف في المنحدر، ولا هو يختار الموقع الذي سيقع عليه، ومع انحداره وانجرافه يتصاعد صوت تقلّبه كلما اقترب من السفح. وفي انحداره يمر على حصيّات تنحدر في اتجاهه إلا أن سرعتها أقل وضجيجها أخفت تحسب حين تراه أنه الوحيد الذي ينزلق، وأنه وحده الذي لا يملك لنفسه شيئا.
الشعوب العربية والإسلامية اليوم تنزل نفسها منزل الحصى، فكثرت سخرياتها وفساد طبعها، وأصبحت حالتها داعية إلى الوقوف قليلا للتأمل والاعتبار، فما محل هذه الشعوب أو أكثرها من الإعراب؟
وقد قدمت بالحديث المروي في صحيح البخاري، لأن النعمتين هما مناط الحديث ههنا، ولأبدأ بأولاهما وهي الصحة؛ الصحة نعمة حقيقية مغبون فيها كثير من الناس، وأكثرهم نحن المسلمين، لنا أن نتساءل عن الأيام بل الأشهر بل السنوات التي ضاعت من عمر هذه الأمة الموعودة بالنصر، كيف ضاعت فيما لا يغني شيئا؟ سنوات طوال كنا فيها غثاء كغثاء السيل، تتقاذفنا الأمواج كما تشاء، أقول كنا، وأخشى أننا لازلنا، حتى إذا أدركنا هذا الوباء، أصبحنا نتقلب يتخطفنا من كل جانب، ولا ندري كيف السبيل إلى العودة والرجوع...
والثانية الفراغ؛ وأي فراغ رهيب عشناه على مدى العقود السابقة، فما استثمرناه، بل كنا نبحث عنه لنزيده وقتا، حتى إذا دهمنا أمر كنا آخر من ينهض، ننتظر فضل الأمم وبقاياها نلعقه بعدها، ثم أكرمنا الله في هذه المنحة بنعمة الفراغ واضحة صافية، فبرز في استغلالها أناسي وأي استغلال؟ تفاهات وحماقات، فلا تخطيط ولا استشراف.
لا أزعم أني خارج هذا الجمع، بل أقر إنني منه نسبا وعملا، ولذلك كانت هذه الفرصة أكتب فيها لأحث نفسي، ولأحث إخواني على حسن التعامل مع النعمة التي وهبنا الله إياها في طيات المحنة الطارئة، وذلك في عناصر أحصيها أمثل بها لا أحصر:
1. نفض الغبار عن القلوب فرمضان على الأبواب، فهل لنا أن ندرك أرواحنا وقلوبنا لنجهزها لروحانية الشهر الفضيل؟
2. طول الوقت نعمة لمن أراد أن يحصّل العلم، فيطالع من الكتب التي لم يتسن له بعد النظر فيها إن كانت لديه مكتبة، أو يحمّل بعضا من الكتب على الشابكة فيحصل له من ذلك فضل علم، وتصويب أخطاء، ومن ذلك مثلا قراءة صفحة من القرآن أو نصف صفحة، ثم إتباعها بتفسير من التفاسير الخفيفة السهلة.
3. لمن لا يطيق القراءة أمامه فرصة للاستماع إلى المشائخ والمواعظ ودروس الفقه أو التاريخ، أو غيرها من الاهتمامات.
4. للجمعيات الخيرية وغيرها أن تنظم من الآن برنامجا لإعانة الفقراء والعالة الذين سيتضررون حتما من هذه الجائحة فيتولون إعانتها مع المجتمع كله، لأن الوقت الذي نحن فيه وقت رقة القلوب.
5. لنا فرصة في التربية مع أولادنا في البيت فلا نضيعها في اللهو، فاستثمروها في التنشئة، وتعليم الأبناء بعضا من دروس هذه النازلة، والاعتناء بسلوكاتهم وتصرفاتهم وتقويمها.
لن أطيل فلكل واحد ما يضيفه إلى هذا الكلام، ولا أزعم أني أقف بين أيدي إخواني واعظا، فإن وُجِدَ من يحتاج الوعظ، فأنا أولهم، ولكني كما أسلفت، أردت أن أقف مع نفسي فأنصحها وأنصح إخواني فلا يكونوا من المغبونين وعندهم الصحة والفراغ، أكبر نعمتين نهملهما. والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق عاشوري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق عاشوري