الأربعاء، 3 أكتوبر 2018

من مبلغ الحيين أن مهلهلا !!!


لا شك أن كُلَّ من تابع مسلسل الزير سالم -وما أكثرهم- يتذكرون آخر اللقطات منه، تلك التي تحكي مقتله على أيدي عبدين فاستوقفهما بعد أن عرف كيدهما، وطلب منه تحقيق رغبة أخيرة لميت، وهي أن يوصلا لأهله بيتا من الشعر:          
من مبلغ الحيين أن مهلهلا
 ~~~ أضحى قتيلا في الفلاة مجندلا 
فكان فيه هلاكهما فيما بعد؛ وذلك حين فسرته اليمامة بنت أخيه فإذا هو صدرا بيتين:
من مبلغ الحيين أن مهلهلا ~~~ أضحى قتيلا في الفلاة مجندلا
لله دركما ودر أبيكما ~~~ لا يبرح العبدان حتى يقتلا
وهما بيتان توقفت عندهما كثيرا وبحثت عنهما في ديوان المهلهل فلم أجدهما، ولم أجد أحدا من العلماء رواهما للمهلهل، إلا المسلسل ، إلى أن وقعت عيني مرة -وأنا أقرأ كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة- على أبيات تشبههما لكنها ليست للمهلهل وإنما للمرقش الأكبر يقول فيها:
يا راكبا إما عرضتَ فبلِّغنْ ~~~ أنس بن عمرو حيث كان وحرملا
لله درّكما ودرّ أبيكما ~~~ إن أفلت الغُفليُّ حتى يقتلا
من مبلغ الفتيان أن مرقّشا ~~~ أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا
ذهب السباع بأنفه وتركنه ~~~ ينهسن منه في الفقار مجدّلا
وكأنما ترد السّباع بشِلوِه ~~~ إذ غاب جمع بني ضُبيعة منهلا

قال ابن قتيبة عن المرقش: "وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وصاحبته أسماء بنت عوف بن مالك ... وكان أبوها زوّجها رجلا من مراد، والمرقش غائب، فلما رجع أخبر بذلك فخرج يريدها ومعه عسيف له من غفيلة، فلما صار في بعض الطريق مرض، حتى ما يحمل إلا معروضا، فتركه الغفيلي هناك في غار وانصرف إلى أهله، فخبرهم أنه مات، فأخذوه وضربوه حتى أقر فقتلوه، ويقال إن أسماء وقفت على أمره فبعثت إليه فحمل إليها وقد أكلت السباع أنفه (فقال الأبيات)، ويقال: بل كتب هذه الأبيات على خشب الرحل، وكان يكتب بالحميرية، فقرأها قومه، فلذلك ضربوا الغفيلي حتى أقر". (الشعر والشعراء، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ج1، ص: 186- 187.
...........
..طارق..














الجمعة، 10 أغسطس 2018

مدونة كوكب الصبح / أ. طارق عاشوري

مدونة كوكب الصبح / أ. طارق عاشوري
- قراءات في كتب ومجلدات تراثية
- بحث في قضايا لغوية، أدبية، نقدية، فكرية

فوائد مختصرة من كتاب "المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" لأبي فهر محمود محمد شاكر

الكتاب رؤية جديدة لشخصية المتنبي التي اشتهرت بين كتب الأدب والتاريخ والتراجم وكثرت فيها الأقوال والآراء، نشر أول مرة على أساس أنه ترجمة جديدة للمتنبي، وبعد ذلك رأى محمود شاكر رحمه الله أنه لا بد من التقديم بمقدمة أخرى هي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا. وقد حواها بفوائد هي ما أختصره هاهنا:
1.      أسس الكاتب كتابه على منهج التذوق، فأتى به مخالفا لكل التراجم والمؤلفات التي درست شعر وحياة أبي الطيب، وكذلك كان منهجه في كل كتبه، يقول عن ذلك "كان منهجي كما نشأ واستتبّ في نفسي، كان منهجا يحمل بطبيعة نشأته رفضا صريحا واضحا قاطعا غير متلجلج لأكثر المناهج الأدبية التي كانت فاشية وغالبة، وصار لها السيادة على ساحة الأدب الخالص وغير الأدب الخالص إلى يومنا هذا..."، وتلك المناهج التي يقصدها إنما هي المناهج المستوردة من الغرب إلينا.
2.      في حديثه عن "ما قبل المنهج" باعتباره أهم مقومات المنهج، يصرّ على أن الأصل الأخلاقي (الدين) هو أساس كل ثقافة في كل أمة وفي كل جيل، فكل ما يأتي من ثقافة معينة إنما ينبع من دينها.
3.     الموجة الاستشراقية التي عصفت ببلاد الإسلام في العصر الحديث إنما هي امتداد للحروب الصليبية، بل محاولة لتدارك ما فشلت فيه الحروب العسكرية، وذلك بالهجوم الثقافي، والتاريخ الذي يسرده المؤلف من الحروب إلى فتح القسنطينية إلى نهضة أوربا أبرز دليل على ذلك
4.     الاستشراق إنما كان خطة دفاعية هُدِفَ من خلالها إلى حماية عقل الأوربي المثقف "من أن يتحرك في جهة مخالفة للجهة التي يستقبلها زحف المسيحية الشمالية على دار الإسلام في الجنوب".
5.     شروط المنهج ثلاثة: اللغة والثقافة والبراءة من الأهواء، وكلها منعدمة من عند المستشرقين.
6.     الثقافة العالمية باطل من القول لأن الخصوصيات في كل مجتمع تحول دون نجاحها.
7.     نظام "دنلوب" التعليمي الذي وضعه سنة 1897م هو نظام مدمر قام على محاولة تفريغ أطفال المدارس تفريغا كاملا من ماضيهم، وهو الذي تقوم عليه المنظومات التعليمية لحد الساعة، ويرى شاكر أن المنهج التقليدي "الموسوعي" والمتشابك هو الأسلم والأنجح في تكوين طالب العلم.
بعد هذه الرسالة يمضي شاكر إلى سرد ما سبق إنتاج كتابه هذا من الأحداث التي أبرزها فتنة الشعر الجاهلي، وما تلا نشر كتابه على النحو التالي:
كتاب المتنبي نشر أول مرة في عدد واحد من مجلة المقتطف "يناير 1936".
سبق التفكير في الكتاب أحداث أبرزها قصة الشعر الجاهلي الذي فتن بها طه حسين الجامعة المصرية والعالم الإسلامي آنذاك بعد عودته من السربون بفرنسا وتأثره بمناهج الغرب ومعارفهم.
-
كان طه حسين في محاضراته عن الشعر الجاهلي إنما يردد ما قاله من قبلُ "ديكارت" في منهجه "الشك"، ومرجليوث عن الشعر الجاهلي، وكان يرفض أن يناقشه واحد من طلبته الذين كان محمود شاكر أبرزهم.
كتاب المتنبي، اقترحه الأستاذ فؤاد صروف مدير مجلة المقتطف على محمود محمد شاكر بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة المتنبي.
بعد نشر الكتاب في المجلة فوجئ محمود شاكر بأن هنالك من سطا عليه في كتابين:
1-     الأول "ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام" لـــ: عبد الوهاب عزّام، وصدر بعد سبعة أشهر من صدور كتاب شاكر.
2-     يقول محمود شاكر عن الكتاب الثاني: "أما الكتاب الثاني .. أما الكتاب الثاني .. أما الكتاب الثاني، وأمرنا جميعا إلى الله، فهو كتاب الدكتور طه حسين "مع المتنبي" الذي نشره بعد صدور كتابي بسنة واحدة أو أقل".
هذا بخلاصة مقتضبة محتوى المقدمة "الرسالة" التي أرفقها في الكتاب في طبعاته المتأخرة.

كتاب المتنبي:

أهم القضايا التي درس محمود شاكر المتنبيَ من خلالها:
1.      تأكيد علوية المتنبي، وتفنيد شائعة أنه ابن سقاء كان بالكوفة، وقد أثبت ذلك وكل ما أراد إثباته بذوقه الأدبي لأبيات المتنبي، ومنها قوله:
ما بِقَوْمي شَرُفتُ بل شرفوا بي ~~~ وبنفسي فَخَرتُ لا بِجُدودي
وبِهِم فخرُ كلِّ من نطق الضا ~~~ د وعَوذُ الجاني، وغوث الطريد
وفخر من نطق الضاد هم أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم...
2.      شائعة نبوة المتنبي لا أساس لها، وكان سجنه لمحاولته إثبات علويته وليس لأنه تنبأ.
3.      المتنبي كان ذا مبادئ ولم يكن ذا طمع وأهواء عمياء، فكان في ترحاله يقابل الملوك لحاجة في نفسه، وهي إعادة المجد للعرب بعد سيطرة البويهيين والأعاجم على الخلافة، وفساد الأحوال، وهو ما يفسر محبته لسيف الدولة الحمداني العربي العلوي
4.      أكثر التراجم التي ترجمت لحياة المتنبي إنما هي من خصومه وأعدائه لذلك لم تكن عادلة في حقه.

5.       أصر محمود شاكر على أن المتنبي كان أحب "خولة" أخت سيف الدولة الحمداني وجاء بشواهد من أشعاره تبين وتؤكد ذلك، منها ما قاله في رثائها حين توفيت:
فليتَ طالعة الشمسين غائبة ~~~ وليت غائبة الشمسين لم تغبِ
وليت عينَ التي آبَ النّهارُ بها ~~~ فِداء عينِ التي زالت ولم تؤب
...
ولا ذكرتُ جميلا من صنائعِها ~~~ إلّا بكيت، ولا ودٌّ بلا سبب
قد كان كلّ حِجابٍ دون رؤيتها ~~~ فما قَنِعتِ لها يا أرض بالحجبِ
ولا رأيتِ عيون الإنس تدركها ~~~ فهل حسدتِ عليها أعين االشُّهُبِ
وهل سمعـتِ سلاما لي أَلَمّ بها ~~~ فقد أطلْتُ وما سلّمْتُ من كثبِ
...
6.       ما روي في قصة مقتل المتنبي من أن قاتله سمع منه أبياتا في منتهى الفحش مطلعها:
ما أنصف القوم ضبّه ~~~ وأمه الطُّرْطُبّه
وإنّما قلت ما قلت ~~~ رحمة لا محبّه
وهذا رفضه شاكر لأن ما فيها من هجاء فاحش أسفل من أدب المتنبي ، وإنما كان قاتله من بين من هجاهم أبو الطيب أيام كان عند سيف الدولة وكان قد أسرهم، فحفظوا له ذلك حقدا وقتلوه به.
هذا كتاب المتنبي، والجزء الذي تبقى قراءته هو جزء يرد فيه محمود شاكر على طه حسين في مسائل أساء فيها للمتنبي من بينها نبوءته وما أطلقه حسين من أن المتنبي لقيط لا يعرف أبوه ولا جده وغيرها.
7.      ثم ختم الكتاب بتحقيقه لعدد من التراجم لم تحقق من قبل .
هذا ملخص مقتضب لما قرأته من الكتاب أردت أن أنقله إليكم أحبابي، وليس من رأى كمن سمع، فإنه من الكتب التي يتشرف المرء بقراءتها لأن كاتبه رجل غار على أمته وتراثها فجاء بهذا الكنز الذي لا أعرف له مثيلا.
وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.

..طارق عاشوري..

الأربعاء، 11 يوليو 2018

لا تعتذر شهريار


لا تعتذر
.........
لا تعتذر
فأنا وليلي.. 
والنجوم الغائباتِ..
مغيّبون من الحكايهْ..
..
لا تعتذر يا شهريار...
...
لا تعتذر 
فأنا لنفسي... 
لا لأحداث الروايهْ
...
...
شهرزاد وسندباد ...
في موعد بين السطور
وأنا ...
... بنفسي أختلي ..
...وأنا وليلي ...
... والنجوم المظلمات
..............
...طارق... 2014


الأحد، 8 يوليو 2018

علوم الدين والجهل اللعين

...............................
وجدت إحدى "المثقفات" تهذر في صفحتها هذرا لا أدري من جهل أم من نقص علم، وكان مضمون ما قالته: أن ما قام به الفقهاء من قياسات واستنباطات لا يمكن أن يسمى علما لأنهم لم يحكموا العقل بل كان قياسهم نقلا من القرآن والعلم الحقيقي هو العلم التجريبي لأنه يتوصل إليه بالعقل لا بالنقل...
...........
وكان ردي عليها آنذاك بكلمات هذا نصها: 
السلام عليكم ورحمة الله، أعجبني ما نشرته الأخت ... وهو قول له نصيب من الحقيقة في بعضه، وذلك مثل قولها إن الفقهاء لم يخرجوا عن النقل أي القرآن والحديث النبوي، وهذا أمر نتفق فيه جميعا، بل هو أهم ميزة في العلوم الإسلامية، ولكنها ارتكبت خطأ لا أدري أهو منهجي أم معرفي، حين رجحت أن هذه الجهود لا يمكن أن تسمى علما، وهذا لعمري تجاوز لا أدري ما سببه؛ أهو الجهل بالعلوم أم التعصب ومجرد التزمت المضاد للدين. ما أريد قوله أيتها الأخت أن الاستنباط العقلي هو ميزة كل العلوم الإنسانية، بل هي ميزة كل العلوم حتى التجريبية منها، ليس هنالك علم لا يأتي بالاستنباط والملاحظة باختلاف أنواع الاستنباط وكيفية الاعتماد على المواد الخام لتحليلها، سواء كانت مواد طبيعية أو فيزيائية كما هو الحال في العلوم التجريبية، أو ظواهر اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية كما هو الحال بالنسبة للعلوم الإنسانية، وبالتالي فإن ما جاء من استنباطات من القرآن والسنة إنما هي تحليلات لا تخرج عن العلمية في شيء اللهم إلا إذا كانت استنباطات خارجة عن القواعد المنهجية لأي علم من العلوم فهنالك نقول ليس علما طبعا. ولا يفوتني أن أذكر للأخت الكريمة أن العلوم الإسلامية ليست منحصرة في الحلال والحرام فحسب، وإنما هنالك علوم منهجية كانت تؤسَّس ابتداءً من المنطق والعقل منها مثلا علم أصول الفقه، وعلم أصول الدين الذي هو العقيدة، نعم قد تقولين إن العقيدة لا تخرج عن نصوص الدين، أقول بلى وقولك صواب، لكن كيفية قراءة تلك النصوص، والقواعد التي أسست لاستنباط ما استُنبِط من الأحكام شيء آخر. وإلى هنا أقول لك أختي إن ما رفضتِ تسميته علما هو علم له ارتباطات بعلوم آخرى تستمد بعض أركانها من الكتاب والسنة نعم لكنها تبقى علوما للأسباب التي ذكرت آنفا، كما أنني أنصحك أن توسعي دائرة مطالعتك في التي أسميها أنا علوما إسلامية ولا تكتفي بالقراءة عنها فإن السماع عن الشيء ليس كمعرفته، وليس من رأى كمن سمع ...
ثم إني أسأل: كيف خطر على عقلك النقي من كل علم أن تجمعي بين متناقضين فتقولين إن القياس نقل وليس فيه دور للعقل، ألا سألت عن القياس في العلوم الإسلامية بل في الفلسفة والمنطق؟ إن لم يكن القياس تحكيما للعقل وفقا لمنهجية معينة فإنه تخريف. 
أردت أن أقول كلاما كثيرا ولكني أوثر التوقف والاكتفاء بهذا الأمر ونصيحتي لهذه ولغيرها أن تصمتوا إن كانت عقولكم لا تفهم ولا تستوعب، ولا تنشروا ما تدعونها انتقادات بالمغالطات والانحرافات المنهجية.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ..
........12 سبتمبر 2017.......
... طارق ... 

الجمعة، 6 يوليو 2018

كتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي 


قراءة في كتاب:
"طبقات فحول الشعراء" لمحمد بن سلام الجمحي "ت231هـ"
تحقيق:  أبي فهر؛ محمود محمد شاكر

بقلم: طارق عاشوري

مقدمة:
كتاب طبقات ابن سلام الجمحي من الكتب الأدبية القيّمة، وهو كتاب فريد في مجاله، يحتاجه الطالب والباحث والأستاذ في كل مجالات اللغة العربية، فإنه مفيد في تاريخ النحو العربي ونشأته، وهو كتاب نقدي لمن أراد الابتداء في فن النقد، ولمن أراد جمع الأدب وقراءته وتذوقه فعليه به.
اطلعت عليه منذ سنوات من طبعة حققها الدكتورعمر الطباع، وقد كانت في مجلد واحد صفحاته لا تصل إلى الثلاثمائة، وأعترف أني قرأته يومئذ قراءة سطحية لبعضه ثم أصبحت أراجعه للبحث عن قضايا كنت أدرسها في مساري الجامعي، غير أني منذ قليل وجدت طبعة أخرى ضخمة من مجلدين، أعرضت عنه في بادئ الأمر، لكني ما إن قرأت اسم المحقق حتى أقبلت عليها إقبالا وتناولتها كما يتناول الطفل الصغير لباسا جديدا أعجبه، كيف لا والمحقق أبو فهر محمود محمد شاكر.
وقد جعلت لهذه الطبعة وقتا أدرسها فيه وأطالعها، فلما أنهيت القراءة أحببت أن أسجل أهم الفوائد التي أفدتها من الكتاب لأضعها معه في خزانة كتبي، لكني سرعان ما فكرت في أن أفيد الآخرين مما أفدته حتى أحقق بذلك شيئين أولهما أن أُعرِّف الطالب المبتدئ بهذا السِّفر العظيم، والثاني أن أحث غيري على قراءة هذا الكتاب واستثماره في استخراج قضايا تغني البحث العلمي، لاسيما طلبة النقد والأدب.
ولم يكن الغرض من هذه الورقات أن أدرس الكتاب دراسة نقدية، وإنما محاولة استخراج أهم الفوائد التي أفدتها، والقضايا التي استنبطتها من غير تحليل ولا إطلاق أحكام، حتى تكون المنفعة أقوى ومباحث الكتاب أوضح، وهذا كله وضعته في عناصر كبرى هي: العنوان،  المتن، التحقيق، اختيارات شعرية خاصة، فوائد لغوية، كلمات عامية لها أصل عربي.

العنوان:
المشهور عند الدارسين للكتاب أن عنوانه "طبقات الشعراء" كما أثبته الطباع في نسخته وغيره، غير أن محمود محمد شاكر ارتضى أن يضيف كلمة فحول -رغم معارضة بعض الدارسين ومنهم علي جواد الطاهر-، وأسباب إثبات كلمة فحول هي:
أولا: أن الكتاب لم يكن فيه استيفاء لكل شعراء العربية.
ثانيا: أن ابن سلام نفسه قال: "فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعرا..."
ثالثا: أن عبارة فحول الشعراء سمى الأصفهاني بها الكتاب في الأغاني؛ "وذكر ابن سلام في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء..."
رابعا: العنوان الذي ورد في إحدى النسخ المخطوطة وفيه طبقات فحول الشعراء إلا أنه كلمة"فحول" لا يبدو منها إلا رأس الفاء وبعده فراغ بعده كلمة "الشعراء" عُلم منه أن المراد "فحول الشعراء".

المتن:
1.      الكتاب رواه عن ابن سلام أبو خليفة الفضل بن الحُباب الجمحي، وهو تلميذه؛ جاء في مقدمة الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم، وأخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، قال: قرئ على الفضل بن الحباب وأنا أسمع.  ...الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة قال محمد      ابن سلام الجمحي : ذكرنا العرب وأشعارها ..."
2.      اول ما ابتدأه ابن سلام في الكتاب ذكر مسألة صناعة الشعر ونقده، ولا أحسبه يعني بالنقد تمييز جيده من رديئه، وإنما كان يتوجه إلى نقد الصحيح من المنحول، وذلك أنه تحدث عن وضع العرب الشعرَ بعد الإسلام لدافعين: أحدهما استقلال بعض القبائل قصائد شعرائهم فنحلوهم أشعارا لغيرهم، والثاني فقدان أكثر الشعر بعد الفترة التي تلت نزول الوحي ثم موت الرواة والحفاظ في المعارك والغزوات.
3.      كان لابن سلام كلام معتبر عن علماء العربية بدءا من أبي الأسود الدؤلي الذي ابتدأ أبوابا من النحو –حسب رأيه-، وإلى غاية الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي، وقد ذكر الملابسات التي كانت في نشأة النحو العربي، وعلى هذا فإن الكتاب من المصادر المهمة للتأريخ لعلم النحو، ولا يكتفى به في جانب الشعر والنقد فقط.
4.      تبعا للنقطة السابقة نجد الكتاب جامعا لكتب ثلاثة ذكرها المترجمون وأصحاب السير فقد ذكروا لابن سلام كتاب طبقات العلماء، وكتاب طبقات الشعراء الجاهليين، وكتاب طبقات الشعراء الإسلاميين، والأرجح هو أن هذه الثلاثة هي كتاب واحد مقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة.
5.      أشار ابن سلام إلى مسألة شائكة وهي أن أصحاب السير، ومنهم أبو إسحاق صاحب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أول مسؤول عن نحل الشعر ووضعه، ذلك أنهم كانوا يأتون بالشعر من غير تصفية ولا نقد ولا مراعاة للأسانيد فيتكلمون به، ولم يشفع لبعضهم تنبيهاته الناسَ بأن الشعر مشكوك في صحته.
6.      روى ابن سلام قصيدة أبي طالب التي يقول فيها:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ~~~ رَبِيعُ اليَتَامَى  عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
غير أنه لم يثق فيها ثقة تامة فإن فيها زيادات وتطويلا، والمشكل في ذلك أن "أشعار قريش فيها لين، فتشكل بعض الإشكال"؛ أي إن ما يزاد فيها صعب أن يعرف.
7.      رأى ابن سلام أن يقسم الشعراء الجاهليين إلى عشر طبقات في كل طبقة أربعة شعراء، فيكون عددهم أربعين إضافة إلى من ميزهم من أصحاب المراثي وهم أربعة، ثم شعراء القرى العربية؛ فمن المدينة خمسة، ومن مكة تسعة، ومن الطائف خمسة، ومن البحرين ثلاثة، ثم شعراء اليهود طبقة وحدهم وهم ثمانية، ثم أضاف من الشعراء الإسلاميين عشر طبقات أُخر، في كل طبقة أربعون شاعرا، فيكون جماع ذلك كله أربعة عشر ومائة  (114) شاعر.
8.      لم يرتب ابن سلام شعراء الطبقة الواحدة ترتيب اختيار، وإنما كان يبدأ بأحدهم اعتباطا خاصة في الطبقة الأولى، لكنه في بعض الطبقات كان يرتب اختيارا الأجود فالأجود، غير أنه مقياس غير ثابت، فنراه حينا يبدأ اعتباطا ويبدأ أحيانا اختيارا.
9.      اعتمد ابن سلام مقياس الكثرة أحيانا ليفاضل بين الطبقات؛ فأوس بن حجر مكانه بين أصحاب الطبقة الأولى مع امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى، لكنه أخره إلى الطبقة الثانية لقلة شعره.
10.  من الملاحظات المهمة أن ابن سلام كما قلنا لم يصنف كل الشعراء، لكنه ذكر كثيرين ممن كانت على أيديهم بدايات الشعر العربي، كالمهلهل والمرقشَيْن وغيرهما، ورغم نبوغ هؤلاء لم يذكرهم.
11.  مما يلاحَظ أيضا أن قسم طبقات الجاهليين كان أقصر من طبقات الإسلاميين، فلقد كان يكتفي في الأوائل بذكر الشاعر وترجمة له ثم أبيات قليلة، لكنه في الثواني كان يستفيض بذكر أخبار الإسلاميين وأبياتهم وربما أورد قصيدة كاملة، ويرجع هذا الأمر -حسب رأيي- إلى تحفظه الشديد من صحة ما روي عن الجاهليين، وثقته فيما روي عن شعراء صدر الإسلام.
12.   في الطبقة الأولى من طبقات شعراء الإسلام، والتي أصحابها جرير والفرزدق والأخطل والراعي، أورد ابن سلام ميزة أسماها مقلّدات الشاعر، والمقلّدات هي الأبيات التي قيلت في قصائد لكنها تميزت حتى أصبحت أمثالا  تروى وحدها.
13.    كان ابن سلام ربما أورد شاعرا بارزا في غرض من الأغراض ويبين أن من الشعراء من هو أشعر منه لكن لم يُذكر في أي طبقة من الطبقات، كما حدث حين ذكر غزل عبد الله بن قيس الرقيات –وهو في الطبقة السادسة من الإسلاميين- فقد قال: "وأغزل من شعره شعرُ عمر بن أبي ربيعة" وعمر غير مذكور في الطبقات، ولعل عدم إدراجه في الطبقات أنه كان صاحب غزل فقط؛ "وكان عمر يصرّح بالغزل، ولا يهجو ولا يمدح"؛ أي إنه كان مجيدا في غرض واحد فقط لذلك لم يذكره في أيٍّ من طبقاته.
14.  أحكام ابن سلام كانت عادلة يراعي فيها أقوال العلماء قبله، كيونس بن حبيب، وأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والأصمعي وغيرهم، ولم يكن يخالفهم في أحكامهم التي يطلقونها على الشعراء إلا نادرا، مما يكشف لنا عن موضوعية الكتاب وصاحبه.
التحقيق:
عندما يكون التحقيق عملا لمحمود محمد شاكر فإن الجودة ستكون بيِّنة واضحة، والفائدة عظيمة رائقة، ومن ذلك أشياء نذكرها إجمالا:
1.      تواضعه رحمه الله فهو لا يشير إلى نفسه بالمحقق، وإنما يعدّ نفسه قارئا وشارحا، وقد اتضح هذا جليا في كل تحقيقاته، تتكرر عبارة: قرأه وعلّق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر، أو قرأه وشرحه: أبو فهر محمود محمد شاكر.
2.      ابتداؤه غلاف الكتاب أو الصفحة التي تليه في كل أعماله تحقيقا وتأليفا بأبيات من شيخ المعرة أبي العلاء، وما ابتدأ به كتاب الطبقات قوله:

جُر يا غُرَابُ، وأفْسِدْ، لَنْ تَرَى أحَدًا  ~~~ إِلَّا مُسِيئًا، وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ يَجُرِ؟
همُ المعاشرُ ضاموا كلَّ مَنْ صَحِبوا  ~~~ من جنسهم، وأباحوا كلَّ مُحتجِر   
لو كنتَ حافظَ أثمارٍ، لهم، يَنَعَتْ، ~~~  ثمّ اقتربْتَ،.. لما أخْلَوك من حَجَر
ولعله بهذه الأبيات يريد من انتقد عمله في هذا الكتاب والله أعلم.
3.      يُعرف عن محمود شاكر -رحمه الله- أنه يبتدئ أعماله بمقدمة يعرض فيها كل الملابسات التي أحاطت بقراءته أو تأليفه كتابا، يعرض الأسباب، ثم يعرض ما جرى بعض نشر عمله او جزء منه، كما أنه –وهذا زادني إعجابا بالرجل- يعرض كلام منتقديه، ويرد عليه بمنهج علمي رائع، غير أنه أحيانا تأخذه العصبية رغم كون الحق معه إلى أن يبدو عليه الغضب وأنا أقرأ له وهو ذو أسلوب هادئ رزين، فيكون أسلوبه القوي الغاضب واضحا.
4.      كان عمل شاكر في الكتاب على الموازنة بين النسخ والمقارنة بينها كما لم يفته استحضار نسخ الأغاني للأصفهاني والموشح للمرزباني وبعض الدواوين اللغوية الأخرى كالمزهر للسيوطي ليثبت ما عفى من النسخ المخطوطات بعد تأكد وطول نظر، ثم إنه كان يشرح الكلمات الصعبة ويبين الأمثال والأقوال المشهورة، ويعرض لبعض المسائل اللغوية والنحوية أحيانا.
5.      من الفوائد المحققة في عمل شاكر أنه أورد في آخر الكتاب بعد فهارس الأعلام والقبائل والأشعار فهرسا أسماه "مباحث العربية والنحو والفوائد" وآخر أسماه "ألفاظ من اللغة أخلّت بها المعاجم أو قصّرت في بيانها"، وهو جهد رائع بذله.
اختيارات خاصة:
أعجبتني مقاطع وأبيات اخترتها لأوردها في هذا المقام:
-الراعي النميري من الطبقة الأولى في شعراء الإسلام، سُمِّي راعيا لأنه كان يجيد وصف الإبل حتى قال أحدهم ما أنت إلا راعي إبل، كان قد هجا ابن الرقاع العاملي؛

لو كنت من أحد يهجى هجوتكمُ ~~~ يا ابن الرقاع، ولكن لست من أحد
وهذا أوجع ما قرأتُ من الهجاء، إلا ما كان من قول جرير في الراعي نفسه:

فغض الطرف إنك من نمير ~~~ فلا كعبا بلغت ولا كلابا

-الأحوص الأنصاري من الطبقة السادسة، يقال إنه كان يهوى أخت زوجه، ولم يصرح بها في شعره، فتزوجها رجل يدعى مطر، فقال كلمةً (قصيدة) منها:

سلامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَليها ~~~ وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلَامُ
وَلَا غَفَرَ الإلَهُ لِمُنْكِحِيهَا ~~~ ذُنُوبَهُمُ وَإِنْ صَلُّوا وَصَامُوا
كَأَنَّ المالِكِــــــــــــــــــــــــــينَ نِكَاحَ سَلْمَى  ~~~   غَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدَاةَ يَرُومُهَا مَطَرٌ نِيَامُ
فَإنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شَيْئًا  ~~~  فَـــــــــــــــــــــــــــــــــــإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٌ حَرَامُ
فَلَوْ لَمْ يُنْكِحُوا إِلَّا كَفِيًّا ~~~ لَكَــــــــــــــــانَ كَفِيَّها مَلِكٌ هُمَامُ
فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَــــــــــــــــــــــــهَا بِأَهْلِ  ~~~ وَإِلَّا عَضَّ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ

-المتوكل الليثي أول شعراء الطبقة السابعة من الإسلاميين، له أبيات حكيمة منها:

وَإِذَا أَهَنْتَ أَخَاكَ أَو أَفْرَدْتَهُ   ~~~ عَمْدًا فَأَنْتَ الوَاهِنُ المَذْمُومُ
لَا تَتَّبِعْ سُبُلَ السَّفَاهَةِ وَالخَنَا  ~~~  إِنَّ السَّفِيهَ مُعَنَّفٌ مَشْتُومُ
وَأَقِمْ لمن صَافَيْتَ وَجْهًا وَاحِدًا  ~~~ وَخَلِيقَةً، إِنَّ الكَرِيمَ قَؤُومُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ   ~~~ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وَإِذَا رَأَيْتَ المَرْءَ يَقْفُو نَفْسَهُ  ~~~  وَالمُحْصَنَاتِ، فَمَا لِذَاكَ حَرِيمُ
وَمُعَيِّرِي بِالْفَقْرِ قُلْتُ لَهُ اقْتَصِدْ ~~~  إِنِّي أَمَامَكَ فِي الأَنَامِ قَدِيمُ
قَدْ يُكثِرُ النِّكسُ المقصّرُ همُّهُ  ~~~ ويقِلُّ مال المرءِ، وهو كريمُ
         قوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... نسبه سيبويه للأخطل، والمعروف أنه بيت لأبي الأسود الدؤلي.

فوائد لغوية:
-          المُقْرِفُ: هو الهجين الذي أبوه عربي وأمه غير عربية، قال زياد الأعجم:
كَذَبْتَ، لم تَغْذُهُ سَوْدَاءُ مُقْرِفة   بِشَرِّ ثَديٍ كأنْفِ الكَلْبِ دَمَّاعِ

-          المُنْهَجُ: نَهِج بمعنى صار باليا مشققا، قال أبو  دواد الرؤاسي:

فكُلُّ جَمِيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعٍ صائِرٌ لتَفَرُّقِ  ~~~ وكُلُّ جَدِيدٍ لا مَحالَةَ مُنْهَجُ

-          عازبة: بعيدة ، عزُب حلمه: بعد وطار، ومنه قول الراعي النميري:

وقد جاورتُهُم، فرأيتُ سعدًا ~~~ شَعَاع الأمر عازِبة الحُلُومِ
ولعل ذلك معنى قول الله تعالى: ) لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ( [ سبأ: 03].


كلمات عامية لها أصل عربي:

-          الرهج: ضبطها العربي "الرَّهَجُ" وهو الغبار.
-          دبر: ضبطها: "الدَّبَر": وهو الجرح الذي يكون في ظهر الدابة من حمل الأثقال، وهو نفسه معنى قولنا "دْبَرْنِي" حذاء أو لباس.
-          العرعار: ضبطها العربي: "العُرْعُرَةُ"، وعُرعُرة الجبل رأسه وأعلاه، والعرعار نبات مشهور، يعرف أن مكان نبته هو أعلى الجبل، فلعله من تسمية الشيء بمحله الذي يوجد فيه.
-          لزّ: ضبطها العربي: "لُزَّ"، ومعناها التصق، وربما تحولت إلى ضدها فإذا قيل في العامية "لزّ" فالمقصود أفسح، ولعله كان المقصود تهكُّمًا "التصق أكثر" ثم أصبح يدل على معنى ابتعد.
أرجو أن تكون في هذه القراءة فائدة، وعلى الله قصد السبيل، والحمد لله رب العالمين.

تمت القراءة في يوم السبت:             16 شوال 1439ه / 30 جوان 2018 م